ما زلتُ أُفَكِّرُ فى تلكَ اللحظاتِ المؤلمة لسيدنا ” نوح ” عليه السلام ، وما اعتصَرَ القلبَ الأَبَوِيّ فيها مِنْ مرارةٍ وأَسَى ، وهو يُعَاينُ غرقَ ابنه بينَ هذه الأمواج الهادرة ، والضربات الغادرة !
وإنْ كان قد ” حِيلَ ” لكنْ … مَنْ يُصَبِّرُ قَلباً يُدْرِكُ أنَّ وَليدَهُ خلفَ هذا الطوفانِ يغرق ؟!
ما زلتُ أستَجمعُ نظرات النبيّ وهو يُسَارقُ بها الأمواج ، بين مرتفعاتها ومنخفضاتها ، لعله أنْ يفوز بنظرةِ الوداع المحتومة ، وإنْ كانَ الإبنُ يرجوا جبلاً يعصمه من الماء … وأَنَّى له ذلكَ … ؟
فَ … لا عاصمَ اليومَ مِنْ أمرِ الله .. إلَّا مَنْ رحِم !
لا أستطيع إستيعاب هذا المنظر المُؤَرِّق لكلِ قلبٍ رحيم ، وهو يُشاهد ابنه يغرق بين يديه ، فى عجزٍ لا ناصرَ له فيه إلا مِمَّنْ قرَّرَ :
وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ !!
يالَجَفَاءِ الإبن حينما يُقرر السيْرَ نحوَ طريق التيهِ غيرَ آبِهٍ لعذاباتِ قلبَا والديهِ المكسوران على ضياعه !
ولقد كانَ العذابُ على قلب النبىّ الصابر أشدّ .. ليقينه أنه قد اجتمع على وليدِهِ ثِنتَانْ : الغرق والنَّار !!
فلكُلّ إبنْ
يا بُنَىَّ ،،
اركب معَ أبيكَ ، وسُرَّ قلبه ، ولا تفجعه فيكَ بلهوك عن مصالحكَ وحياتك ، ، ،
أَعلمُ أنَّ الماءَ لن يَعُمَّ الأرضَ ثانيةً ، فلسنا فى زمنِ السفينة ، ، ،
ولكنْ تَرفَّقْ بأبويكَ وكن فى ركابهما إلا من معصية الله ، ،
وكُنْ عُكَّازَهُمَا على الزمن ، فقد أرهقتهما دروبُ الحياة …
فطاعتهما بركة ، ورضاهما ثمرة ..
فإِمَّا السفينَةُ يا وَلَدِى .. وإمَّا الغرقْ !!