تعد “التكلفة الغارقة” من المصطلحات الاقتصادية الحيوية التي تثير اهتمام الباحثين وأصحاب الأعمال على حد سواء. تعرّف التكلفة الغارقة على أنها تلك التكاليف التي تم إنفاقها ولا يمكن استردادها بأي حال من الأحوال، سواء كانت هذه التكاليف في شكل أموال أو جهد أو وقت. وتكمن أهمية فهم هذا المفهوم في قدرته على توجيه القرارات الاستراتيجية، حيث يساعد التجاهل الواعي لهذه التكاليف في تحسين جودة القرارات المستقبلية وتجنب الفخ الذي قد تقع فيه الشركات عند الاستمرار في استثمار موارد إضافية في مشاريع غير مربحة بسبب التكاليف التي لا يمكن استردادها. وفي هذا المقال سيوضح لكم فريق إيجاز كل ما يخص التكلفة الغارقة تابعو معنا.
ما هي التكلفة الغارقة؟
تُعرف التكلفة الغارقة (Sunk Cost) بأنها التكاليف والأموال التي تم إنفاقها بالفعل ولا يمكن استردادها بأي شكل من الأشكال ويطلق عليها في بعض الأحيان باسم التكلفة بأثر رجعي. تُعد هذه التكاليف غير قابلة للاسترجاع سواء كانت أموالاً أو جهدًا أو وقتًا.
ومن المهم أن يتم استبعاد هذه التكاليف عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية المستقبلية لأنها لا تؤثر على الخيارات الحالية أو المستقبلية. مثال على ذلك هو الاستثمارات في المعدات التي لا تنتج إلا منتجًا محددًا، حيث تصبح هذه الاستثمارات تكاليف غارقة بمجرد شرائها.
وتتضمن هذه التكاليف: مصاريف التسويق والأبحاث وتثبيت البرامج أو المعدات الجديدة والرواتب ونفقات المرافق.
يؤكد الاقتصاديون أن التكاليف الغارقة نظرياً لا تؤثر على قرارات المستقبل. لكن عملياً، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على القرارات المستقبلية. هذا يعود إلى الجانب النفسي، حيث يصعب علينا التخلي عن الوقت أو الجهد أو المال الذي تم استثماره مسبقاً، حتى لو لم تحقق تلك الاستثمارات النتائج المرجوة.
تعرف على: دعم الشركات الناشئة
ما هي مغالطة التكلفة الغارقة؟
مغالطة التكلفة الغارقة هي خطأ في التفكير يحدث عندما يستمر الأفراد أو الشركات في الاستثمار في مشروع أو اتخاذ قرارات بناءً على التكاليف التي تم تكبدها بالفعل، والتي لا يمكن استردادها، بدلاً من التركيز على الفوائد والتكاليف المستقبلية. هذا النوع من التفكير يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير فعالة وغير اقتصادية بسبب الميل إلى محاولة استرداد الاستثمارات السابقة بدلاً من تقييم الوضع الحالي والمستقبلي بشكل موضوعي.
على سبيل المثال، قد يستمر شخص في متابعة مشروع خاسر لأنه أنفق عليه الكثير من المال والوقت، حتى لو كانت التوقعات تشير إلى أن الاستمرار سيؤدي إلى مزيد من الخسائر. التركيز على التكاليف الغارقة بدلاً من الفرص والتكاليف المستقبلية يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مستدامة مالياً وإستراتيجياً.
غالبًا ما تُختصر مغالطة التكلفة الغارقة إلى فكرة إهدار الأموال الجيدة بعد الأموال السيئة، مع رفض تقليل الخسائر. نتيجة لذلك، نتخذ قرارات غير عقلانية أو دون المستوى الأمثل. يوضح جيم سيميك، المؤسس المشارك لموقع ProductPlan، الأمر بقوله:
“في نظرية التكلفة الغارقة، غالبًا ما نقرر الاستمرار في شيء ما لأننا خصصنا الوقت أو الموارد له. نعتقد أنه نظرًا لأننا ‘أغرقنا’ تلك التكلفة، فنحن بحاجة بطريقة ما إلى استردادها. هذه مغالطة.”
ووفقًا لـ Decision Lab، وهي شركة أبحاث تعتمد على العلوم السلوكية لتحسين عملية صنع القرار:
“تحدث مغالطة التكلفة الغارقة لأن عواطفنا غالبًا ما تجعلنا ننحرف عن اتخاذ القرارات العقلانية.”
أمثلة واقعية علي مغالطة التكلفة الغارقة
ولكى نقرب لك مفهوم مغالطة التكلفة الغارقة سنستشهد لك ببعض من الأمثلة الواقعية:
المثال الاول:
عندما تجلس لمشاهدة فيلم ما ، وبعد مرور 30 دقيقة تكتشف أنه ليس كما توقعت. وبدلًا من تغيير الفيلم تحاول أن تقنع نفسك بالاستمرار في المشاهدة. تفكر في نفسك: “لقد استثمرت نصف ساعة من وقتي بالفعل، والفيلم بأكمله مدته ساعة ونصف فقط. إذا توقفت الآن، سأكون قد أهدرت وقتي. لذا، تقرر المضي قدمًا ومواصلة المشاهدة.”
تعرف على: الخطة التسويقية للمشاريع الصغيرة حول مشروعك الصغير إلى قصة نجاح كبيرة
المثال الثاني:
في بعض التجارب أراد الباحثون معرفة هل الناس يشعرون بالذنب تجاه إهدار موارد الآخرين أيضًا أم لا. وفي واحده من هذه التجارب طُلب من المشاركين تخيل أنفسهم في حفل طعام، وان يتناولو بضع قطع من كعكة غنية الي أن يشعروا بالشبع.
وقيل لبعض المشاركين إن الكعكة تم شراؤها من مخبز محلي، بينما قيل للآخرين إنها كعكة باهظة الثمن جاءت من متجر على بعد ساعة بالسيارة. في كل سيناريو، طُلب من المشاركين تخيل أنهم اشتروا الكعكة بأنفسهم، أو أن شخصًا آخر أحضرها. ثم سُئلوا عما إذا كانوا سيكملون تناول الكعكة رغم شعورهم بالشبع.
ووفقًا للنتائج كان الأشخاص الذين قيل لهم إنهم يأكلون كعكة باهظة الثمن أكثر عرضة لمواصلة تناولها. والمثير للاهتمام أن هذا القرار لم يتأثر بمن اشترى الكعكة: سواء كانوا أصدقاء أو غرباء أو المشاركين أنفسهم.
تظهر هذه النتائج أن مغالطة التكلفة الغارقة لها أيضًا بُعد شخصي، حيث يغيّر الناس خياراتهم لتكريم استثمارات الآخرين، وليس فقط استثماراتهم الخاصة.
أسباب مغالطة التكلفة الغارقة
مغالطة التكلفة الغارقة تنشأ بسبب عدة أسباب نفسية وسلوكية تؤثر على قرارات الأفراد والشركات. من أبرز هذه الأسباب:
- التأثير العاطفي: التعلق العاطفي بالمشاريع أو القرارات التي تم اتخاذها سابقًا حيث كلما زاد الوقت أو المال المستثمَر، زادت العاطفة المرتبطة بالمشروع، مما يجعل من الصعب التخلي عنها، بغض النظر عن النتائج الفعلية.
- الخوف من الفشل: الاعتراف بأن المشروع فشل يمكن أن يكون محبطًا ومحرجًا، مما يدفع الناس إلى الاستمرار في الاستثمار لتجنب هذا الشعور
- التأثير والضغط الاجتماعي: الخوف من الانتقاد من الآخرين إذا تم التخلي عن مشروع أو قرار يمكن أن يدفع الأفراد إلى الاستمرار فيه رغم عدم جدواه.
- الأمل في التحسن: الناس يميلون إلى الاعتقاد بأن الوضع قد يتحسن إذا استمروا في الاستثمار، حتى عندما تشير الأدلة إلى العكس.
- الإدراك غير العقلاني للتكاليف الغارقة: يصعب على الناس فصل التكاليف التي لا يمكن استردادها عن التكاليف المستقبلية، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير فعالة.
- التكاليف الغارقة كحافز نفسي: الشعور بأن الجهود السابقة لا يجب أن تذهب سدى يعزز رغبة الأفراد في مواصلة الاستثمار، أملاً في تعويض الخسائر.
- التبرير الذاتي: الرغبة في تبرير القرارات السابقة أمام النفس والآخرين يمكن أن تجعل من الصعب التراجع عن مسار محدد.
مواجهة مغالطة التكلفة الغارقة تتطلب وعيًا متزايدًا بتأثيرها والعمل على اتخاذ قرارات تستند إلى تحليل موضوعي للفوائد والتكاليف المستقبلية بدلاً من الاعتماد على التكاليف الماضية.
كيفية تجنب مغالطة التكلفة الغارقة في صنع القرار
لتجنب مغالطة التكلفة الغارقة في عملية صنع القرار، يمكن اتباع الخطوات التالية:
- التركيز على المستقبل: اعتمد على التكاليف والفوائد المستقبلية عند اتخاذ القرارات، وتجاهل التكاليف التي لا يمكن استردادها.
- الاعتراف بالتكاليف الغارقة: كن واعيًا بوجود تكاليف غارقة ونشر الوعي بين أعضاء الفريق حول مفهوم التكلفة الغارقة وأهمية تجاهلها عند اتخاذ القرارات، والاعتراف بأنها لا يجب أن تؤثر على قراراتك الحالية.
- استشارة الآخرين: اطلب آراء من زملاء أو خبراء قد يكونون أقل انحيازًا عاطفيًا نحو التكاليف السابقة.
- التقييم الدوري: قم بمراجعة منتظمة للقرارات والمشاريع للتأكد من أنها لا تزال تستحق الاستثمار بناءً على المعلومات الحالية.
- التدريب على صنع القرار: استثمر في تدريب الفرق على مهارات صنع القرار المستندة إلى الأدلة، لتقليل التأثر بالعوامل النفسية.
- التأطير الصحيح: إعادة تأطير القرارات من منظور مختلف قد يساعد في تقليل التأثر بالتكاليف الغارقة. اسأل نفسك: “إذا بدأنا الآن، هل سنستثمر في هذا المشروع؟”
- تحليل السيناريوهات: استخدم تحليل السيناريوهات لتقييم العواقب المحتملة للاستمرار أو التوقف عن الاستثمار في مشروع معين.
- تحديد النقاط الحرجة: ضع معايير واضحة ومحددة مسبقًا للنجاح والفشل. إذا لم يتم تحقيقها، كن مستعدًا لإيقاف المشروع.
- التعلم من الأخطاء: احتفظ بسجل للقرارات السابقة والتكاليف الغارقة لتحليلها وتعلم الدروس المستفادة منها، مما يساعد على تحسين قراراتك المستقبلية.
- الانفصال العاطفي عن الاستثمارات: حاول تجنب الربط العاطفي بالمشاريع أو الاستثمارات الفاشلة، وكن مستعدًا لاتخاذ القرارات الحاسمة عندما يكون ذلك ضروريًا.
- تذكُّر الهدف الأشمل: حدد رؤيتك العامة واتخذ قرارات تتماشى معها، مما يساعد على تجنب التركيز على التكاليف السابقة.
- اتخاذ قرارات عقلانية: ركز على التكاليف والفوائد المستقبلية بدلاً من التكاليف الماضية التي لا يمكن استردادها.
باتباع هذه الاستراتيجيات يمكنك تقليل تأثير مغالطة التكلفة الغارقة وتحسين جودة قراراتك.
الفرق بين التكلفة الغارقة والتكلفة الحدية
العنصر | التكلفة الغارقة | التكلفة الحدية |
---|---|---|
التعريف | التكاليف التي تم إنفاقها بالفعل ولا يمكن استردادها بغض النظر عن القرارات المستقبلية | التكلفة الإضافية التي تتكبدها الشركة لإنتاج وحدة إضافية واحدة من المنتج |
الاستخدام | تعتبر غير ذات صلة بالقرارات المستقبلية ويجب تجاهلها عند تقييم الخيارات المستقبلية | تعتبر أساسية في اتخاذ قرارات الإنتاج والتسعير، وتساعد في تحديد كمية الإنتاج المثلى |
أمثلة | تكاليف البحث والتطوير السابقة، مصاريف التسويق السابقة، تكاليف التدريب المدفوعة بالفعل | تكلفة المواد الخام لوحدة إضافية، تكلفة العمل المباشر لوحدة إضافية، تكلفة الطاقة لوحدة إضافية |
التأثير على القرارات | يجب تجاهلها وعدم اعتبارها في القرارات المستقبلية | يجب أخذها في الاعتبار لتحديد الإنتاج الأمثل والعوائد المثلى |
في الختام، يعد فهم مفهوم التكلفة الغارقة أمرًا بالغ الأهمية لأصحاب الأعمال والقرارات الاقتصادية. فالقدرة على تمييز التكاليف التي لا يمكن استردادها تساهم بشكل كبير في اتخاذ قرارات مستقبلية أكثر حكمة وفعالية. وإن تجاهل هذه التكاليف وتجنب الوقوع في مغالطة التمسك بالاستثمارات السابقة يمكن أن يحمي الشركات والأفراد من خسائر إضافية ويوجههم نحو استثمار مواردهم في مشاريع أكثر ربحية. بالتالي يتعين على كل من يسعى لتحقيق نجاح طويل الأمد في عالم الأعمال أن يكون على دراية بمفهوم التكلفة الغارقة وأن يستخدم هذا المفهوم لتوجيه استراتيجياته المستقبلية بفعالية.