تعتبر الشؤون الدينية والتشريعات الإسلامية من المواضيع التي تثير اهتمامًا واسعًا بين المسلمين، ومن بين هذه المسائل يأتي موضوع حكم الوشم في الإسلام . ويُعد الوشم ظاهرة قديمة تمتد عبر الثقافات والتاريخ، وقد أصبح في العصور الحديثة جزءًا من التعبير الشخصي والتزيين الجسدي. ومع أن موقف الدين الإسلامي من الوشم قد يبدو واضحًا في بعض النواحي، إلا أن هناك تنوعًا في التفسيرات والآراء بين الفقهاء والعلماء. سيتم استكشاف هذا الموضوع في هذا المقال، حيث سنتناول الآراء المختلفة حول حكم الوشم في الإسلام سواء للرجال أم النساء، وسنسعى لفهم الأسس الشرعية والثقافية التي تشكل القاعدة لهذه الآراء المتنوعة من خلال مقتطفات إسلامية.
حكم الوشم في الإسلام
في الإسلام هناك آراء مختلفة حول مسألة الوشم (الوشم هو عملية نقش الجلد باستخدام ألوان دائمة لترك رسوم أو عبارات عليه). يجب أن نفهم أن الوشم ليس موضوعًا محددًا في القرآن أو السنة بشكل مباشر. لذلك، يعتبر المسلمون أحكام الوشم على أساس فهمهم للنصوص الشرعية وآراء العلماء.
تُعَدّ الآراء حول حكم الوشم في الإسلام عمومًا كالتالي:
- الحرمة المطلقة: ترى هذه الآراء أن الوشم محرم تمامًا، بناءً على قولهم بأن تعديل الجسم بالوشم يعد تغييرًا لخلق الله، وهو يُعتبر تدخلا في الخلق الإلهي. ويستند هؤلاء العلماء إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث قال فيها: “لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ”، و “مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ”، ومنهم يربطون الوشم بالأمم القديمة التي لعنتها السماء بسبب تغييرها في خلق الله.
- الجواز مع الشروط: هناك علماء يرون أن حكم الوشم في الإسلام جائز بشرط ألا يكون فيه تجسيد لمخلوقات حية مثل الإنسان والحيوانات، وأنه لا يكون ذو دلالات دينية مخالفة للإسلام. هؤلاء العلماء يبررون رأيهم بعدم وجود دليل صريح يحظر الوشم.
- التحاشي بلا حكم نهائي: هناك أيضًا فريق من العلماء الذين يتحاشون النظر في هذه المسألة بشكل نهائي، حيث يرون أنها ليست مسألة مهمة أو محورية في الإسلام، ويعتبرونها من الأمور التي يمكن تركها لاختلاف الآراء.
بصفة عامة يمكن القول إن الرأي الأكثر شيوعًا بين العلماء هو الحرمة النسبية أو التحاشي، حيث يُفضل للمسلمين تجنب الوشم ما لم يكن هناك ضرورة ملحة لذلك، وذلك لتجنب الاختلاف والجدل حول مشروعيته. الأهم هو أن المسلمين يتبعون ضوابط الإسلام ويحرصون على الحفاظ على كرامة أجسادهم.
أنواع الوشم وأحكامها
فيما يلي سأذكر بعض أنواع الوشم والأحكام المرتبطة بها في الإسلام:
- الوشم الدائم (التاتو): هو نوع الوشم الذي يتم رسمه على الجلد باستخدام ألوان دائمة ، ويستمر لفترة طويلة أو دائمًا. الآراء تختلف حوله:
– بعض العلماء يرون أنه محرم بالكامل ولا يجوز للمسلمين الوشم بأي شكل من الأشكال.
– وهناك من يعتبره مكروهًا (مكروه تنزيهي)، ويفضل تجنبه حتى وإن كان بعض العلماء يرون أنه ليس حرامًا. - الوشم القائم على الحناء: يعتبر الوشم بالحناء من الوشوم المشروعة والمعتادة في الثقافة الإسلامية، وهو عبارة عن نقش الجلد باستخدام معجون الحناء الطبيعي، ويستخدم للتزيين والجمال فقط.
- الوشم التجميلي: وهو وشم يتم وضعه لأغراض تجميلية مثل وشم الحواجب أو الشفاه. الآراء تختلف حوله أيضًا:
– بعض العلماء يرون أنه جائز إذا كان للتجميل والجمال فقط.
– وآخرون يرون أنه غير مسموح به حيث يعتبر تدخلاً في خلق الله. - 4. الوشم الشبه دائم: هو نوع آخر من الوشم يستخدم لنقش الجلد، ويستمر لفترة مؤقتة أقل من الوشم الدائم.
تجدر الإشارة إلى أن الأحكام المذكورة قد تختلف باختلاف المدارس الفقهية والآراء الفردية للعلماء. ومن المهم استشارة علماء دين موثوقين للحصول على رأي ديني واضح بناءً على الظروف الشخصية والثقافية. أيضًا يُفضل على المسلمين أن يتجنبوا الوشم إذا كان هناك مخاوف أو شكوك في الأمر لتجنب الوقوع في أي محظور شرعي أو تجنب الاختلافات والجدل حوله.
يُذكر أن القرآن الكريم لم يذكر بشكل صريح حظر الوشم، وهو ما يعني أنه لا يوجد نص قرآني مباشر يحرم الوشم بشكل صريح. ومع ذلك، هناك بعض الأحاديث النبوية (الأحاديث التي تروي أقوال وأفعال النبي محمد صلى الله عليه وسلم) والآثار السنية التي يُفسرها بعض العلماء على أنها تحظر الوشم.
اقرا ايضا : أبتاهُ .. فلْتَنبُضَ مع خَافِقِى !
هناك بعض الأسباب والمبررات المقترحة من قِبَل بعض العلماء للتوصل إلى حكم الوشم في الإسلام و الحرمة المحتملة للوشم:
1. تغيير خلق الله: قد يرى بعض العلماء أن إجراء الوشم يعد تغييرًا للخلق الإلهي حيث يعتبرون أن الإنسان خُلق بصورة معينة وتعديل جسمه بالوشم يعد تدخلا في هذا الخلق.
2. التشبه بالأمم القديمة: يُعتبر الوشم في بعض الثقافات القديمة من العادات والتقاليد التي لا توصى بها الشريعة الإسلامية وبالتالي يُرى أن الاقتداء بتلك الأمم غير محمود.
3. الحفاظ على كرامة الجسد: يرون بعض العلماء أن الوشم يمكن أن يتسبب في إتلاف أو تدنيس جسد الإنسان وعليه يجب على المسلمين الحفاظ على كرامة جسمهم.
مع ذلك يجب الإشارة إلى أن هناك آراء متنوعة حول حكم الوشم في الإسلام والأدلة المذكورة قد تكون ضعيفة بالنسبة لبعض العلماء الذين يرون أن الوشم ليس محظورًا. الأمر يتوقف على الفهم الشخصي للنصوص الدينية والتفسير الفقهي الذي يتبناه كل عالم دين أو شيخ. لذلك يُفضل على المسلمين استشارة علماء دين موثوقين ومراجعة مصادر معتبرة للحصول على فهم دقيق وشافٍ لمسألة الوشم في الإسلام.
في الختام يُظهر موضوع حكم الوشم في الإسلام تعقيد القضايا الدينية التي تستند إلى التفسيرات والسياقات المختلفة.
مهما كانت الآراء المتباينة حول حكم الوشم في الإسلام يبقى التفرغ للخشوع في الصلوات والالتزام بالقيم الإسلامية الأساسية هو أمر مهم وجوهري. وتشجع الشريعة الإسلامية على احترام الجسم كما خلقه الله وعدم المبالغة في تغييره أو تشويهه.
إن الاستشارة مع علماء دين مختصين وفقهاء معتبرين يبقى دائمًا الخطوة الأفضل لفهم المزيد حول تلك المسائل الدينية واتخاذ القرارات المناسبة.