بُعَيْدَ صلاة الفجر ، ثَقُلتْ رأسي راغباً فى قسطٍ من الراحة ، فأسندتُ رأسي على وسادتى ، وقلتُ أذكار نومى ، وتَيَمَّنتُ جنبى ، مستودِعا ربى أنفاسي وروحى ، وخواتيم دينى ، .. وغابت عينى ، وكأنه ما غاب عقلى … !
إِى والله .. لأَرى في منامى ما يستحق أَنْ أَخطُّه بينَ أياديكم ، فلعلَّ أحدكم أن يحمل البشرى لأهل هذا الميت الذى رأيته .. وقد ماتَ شاباً قطعت صدمةَ رحيله نِياطَ قلوبنا جميعا .. فرحمه الله رحمة واسعة
– قيل لى يا شيخ أيمن نُريدكَ أن ترقى شخصا فى مكان كذا ، وكأنهم مااستدعونى لأرقى ، لكن لأرَى .. وارتقِ !
دخلتُ فإذا قصرٌ مَشيد ، عالى الشُرفات ، طيب المقامات ، حيطانه تشبه الأحجار الكريمة فى سُموِّها وبريقها ، وكنتُ أرى صورتى فيها كأنها مِرآة لامعة ، لأَدقِّ التفاصيل جامعة ، وأما ريحُها لا تَسَلْنى عن رِيحها .. أكادُ مِن فرطِ ما أرى أن يطير نابضِى ، أو يتوقف خافقى !
أمشي على سُلَّمٍ كأنه الياقوت والمرجان .. ما رأيتُ فى جماله ، ولا ألوانه ..
علي جوانبه علاليقَ تبدوا كأنها كرستالات الثلج الأبيض اللامع ، وأنا فوق السُلَّمِ أرى مَنْ تَحتى كأنه شفَّاف ، فهو يُرى ظاهره مِن باطنه ، وباطنه من ظاهره ، حتى أننى خشيتُ أن أقع وأسقط ، فقعدتُّ على أرضه اتحسسُ بيدىَّ أزحف كالصغير يخشى القيامَ !
ويمُرُّ إلى جوارى نساءٌ كأنهنَّ البدرُ التَّام ، وما بعد البدر من تمام ، وهُنَّ ينظّرنَ إلىَّ ويَضْحكنَ .. أتخاف ؟!!
– لا تخف .. فهنا لا خوف .. ثم يمضينَ ضاحكات ..
نزلت إلى خارج القصر أبحث عن صاحبه ، فإذا أمامه أرضٌ مستويةٌ لا اعوجاج فيها ، مكسوَّة بالخضرة اللامعة ، عليها شئ كأنه قطرات الندى ، أو زخَّات المطر ، ، ،
وإذا بغلمان يعملون فى الحديقة ، يزينونها ، ويرتبونها ، والحقَّ أن الجمال لا حاجة له بالتجميل!
نظرتُ على يمينى على بُعد بضعة أمتار ، فإذا صاحبُ القصر يجلس هناك على هذه الأرض الخضراء ، وإذا بوابة خضراء اللون قد أشار لها فأُغلقت وهى جرار وليست أبواب ، رأى الغلام أننى أنظر إليه ، فقال لى دع سيدى وشأنه ، فهو مع أصحابه ، فلا تشغله .. !
وأما سيده فقد كان شابا أعرفه مات فى ريعان شبابه بلا إنذار ولا حادث ، كأنه خُطِف خطفاً رحمه الله ، وما كان أحدٌ يُصدق رحيله ، فيقومُ مرة أخرى يستطلعُ صحة الخبر ، ونداء النَّاعِى ..