في جميع أرجاء العالم تعتبر القهوة أكثر من مجرد مشروب. إنها تمثل ثقافة وتراثًا، لها مكانة خاصة في حياة الملايين من الأشخاص. في يوم القهوة العالمي نسلط الضوء على هذا الرمز الشهير الذي يجمع بين النكهات والروتين والمحادثات الاجتماعية. لكن ماذا لو كان هذا المشهد المألوف يتواجد على حافة الانقراض؟
تعد تحديات المناخ والبيئة التي نواجهها في الوقت الحالي تهديداً خطيراً لمستقبل إمدادات القهوة. حيث يعاني مزارعو البن في أماكن مختلفة من العالم من تأثيرات التغير المناخي وظروف الطقس المتقلبة. في هذا السياق يأتي يوم القهوة العالمي لينبهنا إلى حاجتنا الملحة للعمل المشترك واتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على مصدرنا الغالي للقهوة والمحافظة على مستقبلها.
يتم استهلاك مليارات الأكواب من القهوة حول العالم يومياً، تُمثل هذه الأعداد مجرد نظرة سريعة على حجم شغف العالم بمشروب القهوة. تقدر قيمة تجارة القهوة السنوية بنحو 70 مليار دولار مما يجعلها واحدة من أكثر المشروبات تداولاً في العالم. وليس فقط ذلك بل إن مشروب القهوة المفضل لدى الكثيرين في الصباح يساهم في خلق أكثر من 125 مليون وظيفة حول العالم.
ومع ذلك يواجه هذا المشروب التقليدي تحديات جادة تهدده بالإختفاء فما هو السبب وراء ذلك؟
قبل أكثر من ألف عام شهدت أفريقيا بداية زراعة القهوة ومن بعدها انتشرت زراعتها عبر الزمان والمكان، مما أدى إلى تنوع كبير في أصنافها وتجلى ذلك في ظهور أنواع عديدة يبرز منها خمسة أنواع بشكل خاص تُعرف بـ “القهوة المخصصة” (Specialty Coffee)، وتشمل: “سيدامو” و”هرار” و”نيكمتي” و”ليمو” و”ييرغاشيف”. تتميز هذه المجموعة عن غيرها بجودتها العالية بفارق كبير، مما يجعلها تتصدر قائمة القهوة الأكثر تميزاً، وبالتالي تكون من بين الأنواع الأعلى سعراً حول العالم. ولكن رغم هذا التميز تواجه هذه الأصناف اليوم تحديات هائلة تُعتبر الأكبر في تاريخ صناعة القهوة على مر الزمن.
تعرف علي: تاثير القهوة على القولون و هل القهوة تسبب انتفاخ القولون؟
في يوم القهوة العالمي تعرف علي أهم أسباب التى تهدد القهوة
باختصار من بين خمسة أنواع مميزة من القهوة المخصصة التي تنتجها أثيوبيا هناك أربعة أنواع تواجه خطر فقدان قدرتها على التكيُّف مع بيئتها في المستقبل القريب، تحديداً قبل سنة 2030. يعود السبب في ذلك إلى أن القهوة تعتمد بشكل كبير على العوامل المناخية والطوبولوجية والتكوينية المحلية والتغيُّرات البسيطة في هذه العوامل ستؤثر بشكل كبير على مظهر وطعم القهوة النهائي. يعدّ تأثير التغيرات المناخية خاصة على القهوة المخصصة هو الأكثر وضوحا، نظراً لاحتياجها لظروف مناخية محددة لتحقيق أفضل نضج. ببساطة أي تغير في درجات الحرارة أو نسب الرطوبة أو كميات الأمطار قادر علي تحويل القهوة المخصصة إلي قهوة عادية دون تحقيقها لمستوى الجودة المطلوب. وحتى القهوة العادية لن تكون بمنأى من تلك التأثيرات.
تُشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2050، حتى في حال إذا بدأنا اليوم في اتخاذ إجراءات فورية للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فمن المحتمل أن نفقد نحو 49% من مناطق زراعة القهوة حول العالم. يتزايد هذا الرقم بنسبة 10% إضافية في حال عدم اتخاذ تلك الإجراءات. ويُقصد هنا بشكل رئيسي بمصطلح “حزام حبوب البن” أو “حزام القهوة”، وهي المنطقة الممتدة بين مدارَي السرطان والجدي، حيث يتوافر المناخ الاستوائي المناسب لزراعة القهوة.
في الختام وبينما نحتفل بـ يوم القهوة العالمي ونستمتع بكوب من هذا المشروب الرائع، يجدر بنا أن نجدّد الوعي بالتحديات التي تواجه صناعة القهوة ومستقبلها. إن احتمالية انقراض بعض أنواع البن تشكل إنذارًا لا يمكن تجاهله. حيث أن تأثيرات التغير المناخي والتدهور البيئي تعتبر أمورًا تتطلب تدابير جدية وسريعة.
لكن الأمل لا يزال موجودًا إذ يمكننا بالتضافر واتخاذ إجراءات مستدامة مثل دعم المزارعين وتبني ممارسات زراعية مستدامة وتشجيع الابتكار في هذا المجال. علينا أن نتخذ خطوات فعالة للحفاظ على روح وجودة ومتعة القهوة.
لذا دعونا نستمر في التوعية والتحفيز للعمل معًا نحو المحافظة على ذلك الفنجان الذي يمثل لنا أكثر من مجرد مذاق، بل هو رمز لثقافتنا وتقاليدنا ولحظاتنا المميزة.